يضمُّ القرآن الكريم بين دفَّتيه مئةً وأربع عشرة سورةً، موزَّعةً على أجزائه الثلاثين، ويحوي الجزء الثلاثون على العدد الأكبر من السّور، وتمتاز بكونِّها سوراً قصيرةً؛ أي ما يُعرَف بقِصار السُّور، ومن بين هذه السُّور وأقصرها سورة الكوثر، والآتي تعريفٌ بهذه السورة، وتوضيحٌ لسبب نزولها، وبيانٌ لفضلها.
تعريفٌ عامٌّ بسورة الكوثرسورة الكوثر سورةٌ مكيَّةٌ على قول جمهور المفسِّرين، وقال بعض السَّلف، كمجاهد والحسن وعكرمة وقتادة، أنَّها مدنيَّةٌ، وهو ما رجَّحه بعض المُعاصرين من المُفسِّرين، كالطاهر بن عاشور، وبناءً على القول بأنَّها مكيَّةٌ فهي السُّورة الخامسة عشرة في ترتيب نزول السُّور على النبيّ -عليه الصَّلاة والسَّلام-، حيث نزلت بعد سورة العاديات وقبل سورة التَّكاثر، وهي السُّورة رقم مئة وثمانية في ترتيب المُصحف الشَّريف، وعدد آياتها ثلاث آياتٍ، وتُعتَبر أقصر سورةٍ في القرآن الكريم لا من حيث عددُ آياتها؛ لأنَّ سورتيّ العصر والنَّصر كذلك آياتهما ثلاثة، لكنَّ سورة الكوثر اعتُبرت الأقصر من حيث عددُ كلماتها وحروفها.[١]
سمِّيت سورة الكوثر بهذا الاسم لأنَّها بدأت في أول آياتها بذكر الكوثر، وقد اختُلِفَ في تفسير المراد بالكوثر؛ فالكوثر في اللغة اسمٌ للخير الكثير جاء على وزن فَوْعل، وهي صيغةٌ من صيغ الأسماء الجامدة تُفيد الكثرة والإفراط فيه، وأورد المُفسّرون معانيَ عديدةً للكوثر؛ فمنهم من قال هو نهرٌ في الجنَّة، ونُقِلَ عن ابن عباس قوله بأنَّه الخير الكثير، وعكرمة فسرَّه بأنَّه النبوءة والكتاب، والمغيرة قال أنَّه الإسلام بمُجمله، ونُقل عن أبي بكر بن عياش قوله بأنَّ المُراد بالكوثر كثرة أمَّة الإسلام، وفسَّره الماورديّ بأنَّه رفعة الذكر ونور القلب والشَّفاعة التي مُنحت للنبيّ -عليه الصَّلاة والسَّلام- وأعطيت له.[٢]
فضل سورة الكوثرلم يَثبت في سورة الكوثر، كما الكثير من سور القرآن، أحاديثٌ ورواياتٌ في فضلها، لكن من المُمكن أن تستنتج بعض الفضائل العامَّة المُرتبطة بنهر الكوثر الذي أتت السُّورة على ذكره وسُمِّيت باسمه، ومن هذه الفضائل:
ذكر الواحديّ في كتابه أسباب النزول، وغيره من المحدِّثين والمفسِّرين، أنَّ سبب نزول سورة الكوثر راجعٌ لما رُوِيَ عن أحد المشركين، وهو العاص بن وائل، الذي لقي النبيَّ -عليه الصَّلاة والسَّلام- وهو خارجٌ من المسجد والعاص داخلٌ إليه، وكان جماعةٌ من كفار قريش يجلسون فيه، فسألوه من كان يحدث؟ فأجاب مع الأبتر، يعني النبيَّ -عليه الصَّلاة والسَّلام-؛ إذ إنَّ الأبتر في اللغة من لا ابن له، وكان عبد الله بن النبيّ -عليه الصَّلاة والسَّلام- من زوجته خديجة -رضي الله عنها- قد توفّي وقتها، فأنزل الله تعالى عندها سورة الكوثر، كما في رواية عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- أنَّه قال عن هذه السُّورة: (نَزَلَتْ فِي الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ، وَذَلِكَ أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخْرُجُ مِنَ الْمَسْجِدِ وَهُوَ يَدْخُلُ، فَالْتَقَيَا عِنْدَ بَابِ بَنِي سَهْمٍ وَتَحَدَّثَا وَأُنَاسٌ مِنْ صَنَادِيدِ قُرَيْشٍ فِي الْمَسْجِدِ جُلُوسٌ، فَلَمَّا دَخَلَ الْعَاصُ قَالُوا لَهُ: مَنِ الَّذِي كُنْتَ تُحَدِّثُ؟ قَالَ: ذَاكَ الْأَبْتَرُ، يعني النبيّ صلوات الله وسلامه عليه، وَكَانَ قَدْ تُوُفِّيَ قَبْلَ ذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ ابْنُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ مِنْ خَدِيجَةَ، وَكَانُوا يُسَمُّونَ مَنْ لَيْسَ لَهُ ابْنٌ: أَبْتَرَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هذه السورة).[٩]
وفي روايةٍ أخرى أنَّ العاص دخل على جماعةٍ من قريش فوجدهم يتحدّثون عن النبيّ -عليه الصَّلاة والسَّلام- فقال لهم: دعوه، فإنَّه أبتر وذكره سينقطع بعد موته، وفي روايةٍ أخرى أنَّه كان يمرُّ على النبيّ -عليه الصَّلاة والسَّلام- فيقول: إني شانؤك؛ أي كارهٌ لك ومُبغض، وإنَّك لأبتر، فأنزل الله تعالى: (إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ)[١٠].[٩]
المراجعالمقالات المتعلقة بفضل سورة الكوثر